مصابيح أضاءت العالم
لم يكن الإسلام ديناً، وعقيدة فحسب
الإسلام مدنية كاملة شاملة حافلة بالعلم والثقافة وأسمى تعاليم الأخلاق
لم تكن مدنية السيف والحرب، كما يروج البعض من أعداء الإسلام
لقد دون المؤرخون في الشرق والغرب وحتى في أوروبا أن الإسلام مدنية ذات يقظة ونهضة ووثوب، بدأت بظهور الإسلام ونمت وترعرعت في ظل فتوحاته، واستكملت قوتها بعد أن شملت الشرق والغرب، و(القرآن الكريم) لم يكن كتاب دين وحسب بل مرجعاً لأكثر من ثلاثمائة علم في الشرع، واللغة، والتاريخ، والأدب، والفيزياء، والفلسفة، والفلك... وغيرها من العلوم، ومعظم تلك العلوم نشأ من القرآن واستنبط من نصوصه وشمل شريعة وقوانين وأنظمة سياسية واجتماعية. قال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء).
بذل المسلمون الأوائل جهداً كبيراً في نشر العلم والتعليم، فأنشأوا الدور العلمية، وترجموا الكتب الفلسفية إلى العربية ودعوا العلماء الذين لم يعتنقوا الإسلام ليستفيدوا من علومهم، وعنوا عناية فائقة بالآداب والعلوم والفنون بطريقة لم يسبق لها مثيل.
كتب الأمريكي (دريبر) في كتابه (النزاع بين العلم والدين): "كانت الخلافة الإسلامية العربية ملكاً واسعاً يفوق المملكة الرومانية بكثير، وكانت مملوءة بالمدارس والكليات وكان في كل طرف من أطراف هذه الخلافة الإسلامية العربية مرصد لرصد الكواكب، وكان الأمراء المسلمون يتنافسون في الأقاليم على رعاية العلم والعلماء ونتيجة لتشجيعهم للعلماء انتشر الذوق العلمي في المساحة الشاسعة التي بين سمرقند وبخارى وإلى فاس وقرطبة".
وقال (دريبر): كان المسلمون الأوائل يعلِّمون العلم والحكمة للناس وكانوا بمثابة مصابيح العالم التي انتشلتهم من الجهالة والبربرية، فأول مدرسة أنشئت في أوروبا هي المدرسة التي أسسها (العرب المسلمون) في (سالرن) بإيطاليا، وأول مرصد أقيم في أوروبا هو ما أقامه المسلمون في إشبيلية بأسبانيا، وبالحركة العلمية العظمى (التي قام بها المسلمون) إرتقوا بالعلوم القديمة رقياً كبيراً، وأوجدوا علوماً أخرى لم تكن معروفة قبلهم، لقد كان في الأندلس وحدها أكثر من سبعين مكتبة عـامة وعدد لا يحصى من المكتبات الخاصة، وشملت مكتبة الخلفاء في الأندلس ستمائة ألف مجلد.
براعة في العلوم
ويتحدث دريبر في كتابه عن براعة المسلمين في العلوم الرياضية وتفوقهم في الحساب وحساب المثلثات والهندسة والجبر والعلوم الفلكية، فهؤلاء العلماء الفلكيون من العرب المسلمين اخترعوا آلات الأرصاد وحساب الأزمنة بالساعات المختلفة الأشكال وآلات قياس أبعاد الكواكب، وأول من أكتشف الجبر والميكانيكا والإيدروستاتيك (علم موازنة السوائل) والكيمياء ومحاليلها الشهيرة، واستخدام الكيمياء في الطب، لأنهم أول من نشر علم تحضير الأدوية العلاجية واستخراج المعادن.
ويضيف الأمريكي (دريبر) في كتابه (النزاع بين العلم والدين): أنه في عهد الخلافة الإسلامية ترجمت القصائد الإغريقية الشهيرة مثل (الإلياذة والأوديسا) إلى اللغة السريانية ليطلع عليها العلماء وليس العامة من الناس لما فيها من خرافات وثنية يخشى منها على عقائدهم.
وفي عهد " أبي جعفر المنصور" عام 753م كثرت مدارس الطب والشريعة، وفي عهد حفيده هارون الرشيد عام 786م أمر بإضافة مدرسة إلى كل مسجد في جميع أرجاء خلافته، ثم جاء المأمون عام 813 م وجعل بغداد العاصمة العلمية العظمى وسمي عهده بعصر العلم الزاهر في القارة الآسيوية، هذه المكانة وهذا المركز الذي كسبه العرب وهذا الذوق السليم في العلم استمر لدى المسلمين بعد أن انقسموا إلى ثلاثة أقسام، (العباسيين في آسيا، والفاطميين في مصر، والأمويين في الأندلس)، درس العرب أسلوب (أرسطو) الاستدلالي ومقالات (أفلاطون) الاستنباطية واسـتفادوا من ترجمة العديد من الكتب الإغريقية القيمة مثل كتب (أبقراط) و(جالينوس) و(إقليدس) وكتاب (بطليموس) في الرياضيات السماوية الذي ترجم في عهد المأمون وســمي بالمجسطي... يقول العالم والكاتب الأمريكي دريبر من يقرأ حكايات ألف ليلة وليلة يدرك مدى براعة العرب في التصور الشعري، والعرب المسلمون كتبوا في كل فن وفي كل علم وكان لديهم دائرة معارف علمية.
ويقول دريبر أيضاً: اتخذ العرب المسلمون في أبحاثهم الأسلوب التجريبي والدستور الحسي وهذا ما جعلهم أول الواضعين لغالبية العلوم التي عرفتها البشرية وأول المتفوقين فيها، كما تذوق العرب في الفنون الأدبية كل ما من شأنه أن يحد القريحة ويصقل الذهن، وعليهم أن يفتخروا لأنهم أنجبوا من الشعراء بقدر ما أنجبت باقي الأمم كلها مجتمعة، فهل برع أحدهم في الشعر بمختلف فنونه كما برع العرب؟
إن الشعر العربي قد تغنى بالأحلام، ووصف الحروب، وصور الأفكار، دون أن يخرج من قالبه أو يفقد هويته أو ينحرف عن أرضه. عرف الشعر بديوان العرب، فالشعر ما هو إلا جواد أصيل، يجول في أرجاء العالم، فمن أراد خيلاً أصيلة كريمة الطباع، وفية الخصال، بارعة الجمال، فلن تكون إلا عند العرب.
ليست أوروبا الحديثة بأعلى ذوقاً ولا أرقى مدنية، ولا ألطف رونقاً من عواصم الأندلس في عهد العرب المسلمين.
ولقد برع المسلمون الأوائل في كافة العلوم منذ قرون بعيدة من الزمن، كما أثروا العالم والحضارات الإنسانية، وكانوا مرجعاً مهماً للثقافة، ولكثير من العلوم، خاصة في سنوات النهضة التي عاشتها أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى والثانية وإلى يومنا هذا.
أول من برع في علم النفس والتحليل النفسي، منذ عشرة قرون إبن سينا أي قبل (سيجموند فرويد) مؤسس (مدرسة التحليل النفسي) بأكثر من ثمانية قرون، كما برع في الطب والفلسفة فكان أول مكتشف للتخدير لإجراء العمليات الجراحية وأول من اخترع الحقن تحت الجلد لعلاج المريض وكتبه في الطب تعد المرجع الأول في كليات الطب في أوروبا حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، وفلسفات ابن سينا تعد المرجع الأول لكافة الجامعات الكاثوليكية إلى يومنا هذا، وكان يعتمد طريقة التحليل النفسي في علاجه للأمراض النفسية والعقلية واستطاع أن يشفي جميع الحالات التي دونت في كتبه لبراعته في استخدام طريقة التحليل النفسي.
وأول من وضع أسس علم الاجتماع وفلسفة التاريخ منذ سبعة قرون هو إبن خلدون كما كان من أول من شاركوا في وضع التربية الإسلامية ومبادئها والتي يتفق معظمها مع أحدث أصول التربية الحديثة لهذا العصر.
كما يعتبر أبو حامد الغزالي (المربي الأول) وأكبر المدافعين عن الإسلام، وأخلاقه، وتعاليمه، وأكبر المتمسكين بالإسلام، والمطبقين له، في كتبه للتربية، منذ بداية القرن السادس الهجري، أي منذ ثمانية قرون، كما اعتبره جمهور كبير من العلماء، مربياً بارعاً، وليس فيلسوفاً.
ومن أهم آراء الغزالي في التربية والتعليم، أن الغرض من طلب العلم هو التقرب إلى الله تعالى، دون الرياسة والمباهاة والتفاخر والمنافسة التي تؤدي إلى الحقد والبغضاء والكراهية.
كما قال: (طلبنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله) ولم يُكرم دين، ولم يُكرم أحد، من قبل ولا من بعد العلم والعلماء، كما كرم الإسلام والمسلمين العلم والعلماء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (العلماء ورثة الأنبياء) وقال تعالى في سورة المجادلة آية "11" :
( يَرفَعِ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُواْ العلِمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ )